عبدالوهاب البياتي
سوق القرية
الشّمسُ و
الحُمـُر الهزيلة ُ و الذ ّباب
و حذاء ُ جندي ّ ٍ
قديم
يتداولُ الأيدي
، و فلاح ٌ يحدّق ُ في الفراغ :
" في
مطلع ِ العـام ِ الجديد
يدايَ
تمتلئان ِ حتما ً بـِالنقود
و سأشتري
هذا الحذاء "
و صياح ُ ديك ٍ
فرَّ من قفص ٍ
، و قديسٌ صغـير :
" ما حك
َّ جلدَك َ مثـل
ظفرك َ "
و " الطريق ُ إلى الجحيم
من جنـّةِ
الفردوس ِ أقرب ُ " و الذ ّباب
و الحاصدون َ المتعـبون :
" زرعـوا
و لم نأكل
و نزرع ُ ،
صاغـرين َ ، فيأكلون "
و العـائدونَ منَ
المدينةِ :
" يا لها
وحشا ً ضرير
صرعـاه ُ موتانا
، و أجساد ُ النـّساء
و الحالمون َ
الطـّيبون "
و خوارُ أبقار ٍ ،
و بائعـة ُ الأساور ِ و العـطور
" لن
يُصلح َ العـطـّارُ ما قد أفسدَ
الدّهرُ الغـشوم "
و بنادق ٌ سودٌ
و محراث ٌ و نار
تخبو ، و حدّاد ٌ
يراود ُ جفنـَه ُ الدّامي
النـّعـاس :
" أبدا ً ،
عـلى أشكالها تقع
ُ الطـّيور"
و " البحرُ
لا يقوى عـلى
غـسل ِ الخطايا ، و الد ّموع
"
و الشّمس ُ في كبد
ِ السّماء
و بائعـات ُ
الكرم ِ يجمعـن َ السّلال
:
" عـينا
حبيبي كوكبان ِ
و
صدره ُ ورد ُ الرّبيع
"
و السّوق ُ تقفرُ
، و الحوانيتُ الصّغـيرة ُ
و الذ ّباب
يصطاده ُ الأطفال ُ ،
و الأفق ُ البعـيد
و تثاؤب ُ
الأكواخ ِ في غـاب ِ النخيل
عـبد الوهـّاب البيّاتي
" أباريق مهشـّمة "
عـبد الوهّاب البيّاتي
:
شاعـر عـراقي
ولد سنة 1926
م.
درس اللغـة
العـربية و آدابها في
دار المعـلمين العـليا .
صدر ديوانه
الشّعري الأوّل سنة
1950 .
عـمل في
التدريس ، و شارك في
تحرير مجلـّة "
الثقافة الجديدة ".
طـُرد من
وظيفته و أ ُلقي في
السّجن لِنشاطه السّياسي
اليساري .
غـادر بغـداد
إلى دمشق ،
ثمّ إلى بيروت
و القاهرة .
عـاد إلى
بغـداد بعـد ثورة
1958 ، و عـمل في وزارة
المعـارف.
ثمّ مستشارا ً
ثقافيا ً في موسكو ،
ثمّ أستاذا ً في
جامعـة موسكو.
تنقـّل بين
كثير من المدن
، ثمّ أقام
في دمشق و مات
فيها في
سنة 1999 .
" سوق القرية " قصيدة
من الشّعـر الحرّ ،
كتبها عـبد الوهّاب البياتي قبل
سنة 1954 ، و نشرها في
ديوانه " أباريق مهشّمة" .
النّص مبني
عـلى ازدواجية وصف
العـالم الخارجي : السّوق
والقرية
و الشمس و الحيوانات
و ما يجول في أذهان
الأشخاص الذين تمتلئ
بهم القصيدة .
السّوق في
قرية صغيرة "
تتثاءب أكواخها في
غاب النخيل " ، في
يوم مشمس ، فيه
حوانيت صغيرة :
بائعة
الأساور و العطور،
الحدّاد الذي
تخبو ناره ، و يأتيه الفلاحون
ليبيعوا حيواناتهم : " صياح
ديك فرّ
من قفص " ، " خوار أبقار" ، كما
تأتيه بائعات الكروم ،
و فيه من
يبيع أشياء عتيقة
: حذاء جندي
قديم و بنادق
سود و محراث
...
و يردد الأشخاص أو لعلهم يفكّرون
بما وضعه الشّاعر بين المزدوجات
بعد النقطتين
الشّارحتين . وأغلب هذه الجمل
استشهادات بأمثال شائعة
مثل " ما حكَّ جلدكَ مثل
ظفركَ" أو "
لن يصلح
العطار ما أفسد الدّهر" أو
" عـلى أشكالها تقع
الطـّيور" أو مثل
معكوس ، فهكذا
تتحوّل الجملة
الشهيرة " زرعـوا
و أكلنا ، و نزرع
و يأكلون " إلى
" زرعـوا فلم
نأكل ، ونزرع ، صاغرين
فيأكلون " ( 1 ) أو مأخوذة
من الإنجيل
" البحر لا يقوى عـلى
غسل الخطايا " ، أما
بائعات
الكروم فيغنين
" عـينا حبيبي
كوكبان و صدره ورد
الرّبيع " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.
أنظر : ص. الناصري
" الأمثال العربية للمبتدئين ".
و يحدّق فلاح
في الفراغ حالما ً
بشراء حذاء الجندي القديم
، بينما
يصرّح العائدون
من المدينة بكرههم
لها فهي وحش
يميت الرّجال
و يبيع أجساد
النـّساء .
و تنتهي القصيدة
بجمع بائعات الكروم
لسلالهنّ و ترك السّوق
مثل
الآخرين فتقفر السّوق
والحوانيت الصّغيرة و تنزل
الشّمس نحو الأفق
و تتثاءب
الأكواخ .