فهرست مقالات عربي
- در صورتی که دررابطه با موضوع خاص به دنبال مطلب هستید در بخش نظرات اعلام کنید تا آن را در وبلاگ قرار دهم
- الشعر الحر
- الغموض فی الشعر الحر
- بدر شاکر السیاب حیاته و أدبه
- سوق القریة عبدالوهاب البیاتی
- جبران خلیل جبران
- عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ)
- اثر العربیة فی الشعر الفارسی
- نزار قبانی سراینده عشق و شکست
-
بدر شاکر السیاب رائد الحداثة الشعریة
-
مــارکــسیــة الـشعــر عنــد بــدر شــاکــر
-
ﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺴﻴﺎب.. ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻌﺮاق اﳊﺪﻳﺚ
-
بدر شاکر السیاب: حیاته وشعره إحسان عبّاس-
- الصورة الشعریة عند شعراء مدرسة الدیوان
-
تاثیر زبان فارسی بر زبان و ادبیات عربی
- المذاهب الادبیة الغربیة واثرها على الادب العربی
- تطور الفن القصصی وخصائصه
- حیات در اندیشه متنبی و احمد شوقی
- الطباق و المقابلة في الآيات القرآنية
الطباق و المقابلة في الآيات القرآنية
بين المقابلة والطباق في الآيات القرآنية
دكتور أحمد عبد المجيد محمد خليفة
الأستاذ المشارك بالكلية الجامعية بمكة المكرمة
أولا ـ الطـبـاق
هو إحدى فنون البديع المعنوية التي كثر ورودها في القرآن الكريم ، والسنة
النبوية ، وكلام البلغاء .فهو من أعظم المحسنات أثرا في تجميل الأسلوب
؛ وإبراز المعاني ، لأنه يتجاوز ظواهر الألفاظ إلى بواطنها ، ولا يقف
عند الألفاظ ، يل يتجاوزها إلى المعاني ، وهو بذلك وسيلة إيضاح جيدة تعرض
بها الأشياء أو الصفات ، ثم يعرض ما يقابلها في المعاني. فلا شك أن الجمع
بين الأشياء المتطابقة يضفي على الكلام حسنا وجمالا ، ويزيده رونقا وبيانا
فالضد يظهر حسنه الضد كما يقولون .
إذ أن المطابقة تنشط الفاعلية الإدراكية ، وتأدي إلى تداعي المعاني المعاكسة
، وتوسع ملكة التخيل والوهم ، وتوقظ الإحساس ، وتأجج العطفة ، وتستفز الشعور من
خلال تسليط الضوء على المفارقات .
ويقال للمطابقة : التطبيق ، والطباق ، ومنهم من عد المقابلة فيها ، وهذا خلط واضح
، إذ لم يبق للفرق بينهما محل .
المفهوم اللغوي للمطابقة : هو الجمع بين الشيئين ، يقولون : طابق فلان بين ثوبين ،
ثم استعمل في غير ذلك فقيل طابق البعير في سيره ، إذا وضع رجله موضع يده ، وهو
راجع إلى الجمع بين الشيئين ، قال الجعدي :
وخيل تطابق بالذراعين
طبــا ق الكلاب يطأن
الهراسا (1)
وقال الأصمعي : " المطابقة أصلها وضع الرِّجل في موضع اليد في مشي ذوات
الأربع .(2) . ونقل عن الخليل بن أحمد ( رحمه الله ) : " يقال طابقت
بين الشيئين إذا جمعت بينهما على حذوٍ واحدٍ ، وألصقتهما . (3)
ويرى ابن حجة الحموي أنه " ليس بين التسمية اللغوية والتسمية الاصطلاحية
مناسبة، لأن المطابقة في الاصطلاح : الجمع بين الضدين ، في كلم
، أو بيت شعر ، كالإيراد والإصدار ، والليل والنهار ، والبياض والسواد (4)
وقال ابن الأثير " " أجمع جماعة علماء من أرباب هذه الصناعة على أن
المطابقة في الكلام هي الجمع بين الشيء وضده : كالبياض والسواد ، والليل والنهار ،
وخالفهم في ذلك أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب ، فقال : المطابقة : إيراد لفظتين
متساويتين في البناء والصفة ، مختلفتين في المعنى ". وهذا الذي ذكره
قدامة هو: التجنيس بعينه ، غير أن الأسماء لا مشاحة فيها إلا إذا كانت
مشتقة ، ولننظر نحن فيما حمله على ذلك . والذي حمل قدامة على ذلك ما اقتضاه اشتقاق
لفظ الطباق " (5) .
وقال الرماني : " المطابقة مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقصان
" واستحسن هذا التعريف ابن رشيق القيرواني فقال : " هذا أحسن قول
سمعته في المطابقة من غيره ، وأجمعه لفائدة " (6) .
وخلاصة القول في تعريف الطباق : هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام من خلال لفظتين
متضادتين ، يتنافى وجودهما معًا في شيء واحد ، في وقت واحد . وقد يكونا بلفظين
متحدين في الاسمية ، أو الفعلية ، أو الحرفية ، أو خلاف ذلك . على نحو ما سيأتي
توضيحه ، وتطبيقه على القرآن الكريم .
ولقد أشار الباحثون القدامى والمحدثون إلى أن هناك ألفاظا قرآنية لا تكاد
تفترق في القرآن الكريم هي من عادات القرآن واضطراداته ، مثل الجنة والنار ،
والرغبة والرهبة ، والنعيم والعذاب ، والطيب والخبيث ، والنفع والضر ، والجائز
والمقتصد ، وانه ما جاء بوعيد إلاَّ أعقبه بوعد ، وما جاء بنذارة إلا أعقبها إشارة
. (7)
وقد أشرنا إلى أن الطباق قد يكون بين اسمين أو فعلين أو حرفين ، ونذكر من
ذلك ما وقع في الأسلوب القرآني ، ما كان بين اسمين ؛ قوله تعالى :
(( وما
يستوي الأعمى والبصيرُ ، ولا الظلماتُ ولا النُّورُ ، ولا الظِّـِّلُّ ولا
الحرورُ وما يستوي الأحياءُ ولا الأمواتُ )) (8) .ُ
_ فقد جمع بين " الأعمى ( ويقصد به الكافر، ويعني في إبعاده الجهل
والضلالة وعدم الرؤية) وبين البصير ( ويقصد به "المؤمن" ويعني بع
العلم والهدى ووضوح الرؤية ) . وجمع أيضا بين الظلمات : ويقصد بها الضلال .
وبين النور : ويقصد بها الهداية . وبين الظل والمراد به نعيم الجنة ، وبين
الحرور ، والمراد به عذاب النار . وبين الأحياء والأموات ، وهما المؤمنين والكافرون
. وأن لكل ضد من هذه الأضداد التي تتطابق مع بعضها البعض معاني عميقة
، ودقيقة ومتشعبة .
و نذكر من الطباق بين فعلين ، قوله تعالى : (( وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو
أمات وأحيا )) (9) .فقد وقع الطباق بين " أضحك وأبكى " وبين
أمات وأحيى " . وفي هذين الطباقين معنى دقيق ، وعميق ، يتمثل في أن
الله سبحانه وتعالى هو الذي أضحك : أي أدخل السرور والبهجة والمرح والسعادة على
النفس البشرية . وهو أيضا الذي أبكى : أي أدخل الحسرة والألم والتعاسة والشقاء على
النفس الأخرى . بشكل كامل ومتطابق ، ولذلك لم يقل " أحزن وأرضى " بل جاء
بدليل الفرح والسرور بكلمة أضحك ، وبدليل الحزن بكلمة "أبكى" .
ويبدو ذلك أيضا واضحا في المطابقة ين " أمات " , "أحيا " ،
فالإماتة : لفظ يدل على زوال الحياة وانتهائها زوالا كاملا ، بينما الفعل "
أحيا " يرمز للنقيض تماما إذ يبعث الحياة ، ويبثها في كل ما هو جماد ، فيجعله
حياً ،يتحرك ، وينطق ، ويحس ، ويصبح صورة متناقضة تماما لصورة الموت والفناء
والزوال .
ومثال التضاد بين حرفين : قوله تعالى : (( لها ما كسبت وعليها ما
اكتسبت )) (10) .فالجمع بين حرفي : "اللام " في كلمة " لها" ،
و"على" في كلمة " عليها" مطابقة . فاللام في "لها "
تفيد الملكية المشعرة بالانتفاع . و"على " في عليها ؛ تشعر بالثقل
المفيد للتضرر والأذى.
وقد يكون التضاد بين لفظين مختلفين : ومن أمثلة ذلك ؛ قوله تعالى : (( أو من كان
ميتا فأحييناه )) (11) . فالتضاد هنا وقع بين لفظي " ميتا " : وهو اسم .
وبين " أحيينا " : وهو فعل . والمراد بالميت في الآية الكريمة "
الضال " . وبـ "أحييناه " أي: هديناه.
" الفرق بين المطابقة والتكافؤ "
يرى زكي الدين بن أبي الإصبع : أن المطابقة ضربان :
ضرب يأتي بألفاظ الحقيقة ، وضرب يأتي بألفاظ المجاز .
واستحسن ابن حجة الحموي هذا التقسيم فقال : " ولقد شفى ذكي بن أبي
الإصبع القلوب ، في ما قرره "(12) . فإنه قال : المطابقة ضربان :
1- فالضرب الذي يأتي
بألفاظ الحقيقة ،هو ما يسمي بالمطابقة الحقيقية ، وأعظم الشواهد عليه ؛ قوله تعالى
: ((وأنه هو أضحك وأبكى ،وأنه هو أمات وأحيا )) (13)
-وقول
النبي ( ص) للأنصار ( رضي الله عنهم ) : (( إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند
الطمع )) . فانظر إلى هذه البلاغة النبوية والمناسبة التامة ضمن المطابقة .
- والمعجز الذي لا تصل إليه قدرة مخلوق ، قوله تعالى : (( وما يستوى الأعمى
والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا
الأموات )) (14) . فانظر إلى عظيم هذه المطابقة ، وما فيها من الوجازة (15)
.
2- والضرب الذي يأتي بألفاظ
المجاز : يسميه قدامة بن جعفر بـ "التكافؤ " ( بشرط أن تكون الأضداد
لموصوف واحد ) ومنه قول الشاعر :
حلو الشمائل وهو مر باسل يحمي الذمار
صبيحة الإرهاق
فقوله
: حلو ، ومر ، يجري مجرى الاستعارة ، إذ ليس في الإنسان ، ولا في شمائله ، ما يذاق
بحاسة الذوق .
- ومن أمثلة التكافؤ ، قول ابن رشيق ، وهو حسن :
وقد أطفؤا شمس النهار وأوقدوا نجوم
العوالي في سماء عجاج
- وما أحلى قول القائل في هذا الباب :
إذا نحن سرنا بين شؤق ومغرب تحرك يقظان التراب
ونائمه
فالمطابقة بين اليقظان ، والنائم ، ونسبتهما إلى التراب على سبيل المجاز .
وهذا هو التكافؤ عند ابن أبي الإصبع (16) .
أنواع المطابقة
قسم البلاغيون المطابقة إلى ثلاثة أنواع :
1- مطابقة الإيجاب .
2- مطابقة السلب .
3-إيهام الطباق .
أولاً-
مطابقة الإيجاب :وهي التي لا يختلف الضدان فيها إيجابا وسلبا . ومن أمثلتها في
الأسلوب القرآني ، قوله تعالى : (( ولا تقولوا لمن يُقتلُ في سبيل الله أمواتا بل
أحياءٌ ولكن لا تشعرون )) (17) . فالله سبحانه وتعالى يخبرنا أن الشهداء في
برزخهم أحياء يرزقون . وقد خص الله الشهداء بالذكر هنا تشريفا لهم وتكريما
أيضا .
-فالمطابقة
وقعت في الآية الكريمة بين " أموات : و "أحياء " . وهي مطابقة
إيجاب ، وبألفاظ الحقيقة .
ومن ذلك ـأيضا - قوله تعالى: (( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) 0(18)
يبين الله سبحانه وتعالى أن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته ،
في جميع الأوقات بالليل والنهار ، في السر والعلانية ، بأن أجرهم على الله ،
وأنهم في الدرجات العالية في جنات الخلد ، ولا خوف عليهم فيها ، ولا يصيبهم فيها
حزن أبدا .
-
فالطباق
هنا وقع بين " الليل والنهار " وبين " السر والعلانية " وبين
"لهم " و " عليهم .
*ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر
بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ))
(19). أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الله (الإسلام) فهو دين واضح ،
فمن يكفر بالله أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره ، ومن خلع الأنداد والأوثان ،
وما يدعوا إليه الشيطان فإن الله ثبت أمره ، واستقام على الطريقة المثلى ، والصراط
المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم .
-
فالمطابقة
فل الآية وقعت بين " الرشد :الذي هو الهداية ، وبين الغي : الذي هو الضلال.
وكذلك أيضا بين " يكفر ، ويؤمن " .
*ومنه
– أيضا- قوله تعالى:
(( باطنـه فيـه الرحمة ، وظاهـره من قبلِهِ العذابُ )) (20) .
ومن
ذلك –أيضا- قوله تعالى :
(( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )) (21) .
ونذكر
من ذلك في الأسلوب النبوي ، قول رسول الله (ًص) : (( أفضل الأعمال أن تصل من قطعك
، وتعطي من حرمك ، وتصفح عمن ظلمك )). والمتأمل لهذه المطابقة بين الوصل والقطيعة
، وبين العطاء والحرمان ، يدرك جمال الطباق ، لما يحتويه الفعل " قطعك "
من قطع مادى ومعنوي واجتماعي ونفسي . ومثل ذلك قوله (ص) : " وتعطي من حرمك
" وهكذا فإن الطباق يجمع بين الضدين أو الشيء وضده بكل ما فيهما من معان ،
وصور وأحاسيس. (22)
- ·
وقوله (ص) : (( اليد العليا خير
من اليد السفلى )) . فقد أراد الحبيب محمد (ص) باليد
العليا ك يد المعطي ، وأراد باليد السفلى : يد المستعطي . وفي الحقيقة أنه ليس
ثمة يد عليا ويد سافلة ، وإنما المراد أن المعطي أعلى رتبة من الآخذ في مجال
الرفد . فالطباق بين العليا والسقلى من ألى الطباق ،
وقد احتوى أيضا على مجاز بديع .
ثانيا
– طباق السلب : وهو ما اختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا. حيث يجمع بين فعلين من مصدر
واحد . نحو قوله تعالى : (( يخادعون الله والذين لآمنوا وما يخدعون إلا
أنفسهم وما يشعرون )) (23) . يبين الله سبحانه وتعالى للمنافقين أنهم
يخادعون أنفسهم بإظهارهم إيمانهم بالرغم من أنهم يسترون كفرهم ، وجحودهم ، بوله
" يخادعون الله " ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله " وما
يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " لأن المنافق يظن أنه يحسن لنفسه ، وهو بذلك
يوقعها قي غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به ، فذلك خداع المنافق نفسه .
فالطباق بين " يخدعون " و "ما يخدعون "وهي طباق سلب
بإيجاب الخداع ، ونفيه لأنهما ضدان .
*ومن ذلك قوله تعالى : (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ))
(24)
.
* وقوله : (( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك
إنك علام الغيوب )) (25) .
-وقد يكون أحد المصدرين في صيغة الأمر والآخر في صيغة النهي :كما في قوله تعالى :
(( اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ، ولا تتبعوا دونه أولياء )) . فطباق
السلب وقع بين " اتبعوا " و"لا تتبعوا " . وهذا النوع
من الطباق يقع كثيرا في القرآن الكريم .
ثالثا
- إيهام التضاد : وهو " أن يجمع بين معنيين ليسا متقابلين ، ولكن عُبّرَ
عنهما بلفظين متقابلين " . أو بعبارة أخرى : " هو أن يوهم لفظ الضد أنه
ضد مع أنه ليس بضد " . ومن أمثلة ذلك قول الشاعر دعبل
الخزاعي :
لا تعجبي يا سلمُ من رجل ضحك المشيب برأسه
فبكى
فضحك المشيب من جهة المعنى ليس بضدٍ للبكاء ، لأنه كناية عن كثرة الشيب ، وظهوره
في الرأس ، ولكنه من جهة اللفظ يوهم التطابق أو أكثر .
ومنه
أيضا قول الشاعر :
يبدي وشاحا أبيضا من سيبه والجو قد لبس الوشاح الأغبرا
فإن الأغبرا ، ليس بضد " الأبيض " وإنما يوهم بلفظه أنه ضد .
ظهور التضاد وخفاؤه
قد يكون التضاد بين المعاني ظاهرا جليا كما في الأمثلة السابقة ، ومنها أيضا قوله تعالى ((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء )) (26)
وقد يكون خفيا : ومن أمثلته في الأسلوب القرآني قوله تعالى : (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) (27) .
فالمطابقة
هنا بين " أشداء " و" رحماء " . والرحمة ليست ضدا في المعنى
ل"أشداء " . ولكن الرحمة تستلزم "اللين " الذي يتقابل ويتضاد
مع " الشدة " ، لأن من رحم لان قلبه ورق . فالتضاد كما رأيت ليس واضحا ،
بل فيه خفاء .
- ·
ومنه أيضا قوله تعالى : ((
مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )) . فالمطابقة بين " الغرق "
و" دخول النار " ، فإن من دخل النار احترق ( والاحتراق ضد الغرق ) ، والإغراق ليس
ضد النار في المعنى ، ولكن الإغراق يستلزم " الماء " و "الماء " ضد
النار
.
- · ومن الأمثلة التي ترد فيه المفردات على غير ما هو معهود من التقابل ، فالمعلوم أن ضد العلم الجهل ، وضد العمى الإبصار ، ولكن التعبير القرآني يجيء على هذه الشاكلة (( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ؟ )) (28) . حيث يقابل بين "يعلم " ، وأعمى " أي : بين العلم والعمى ، وما هما بمتضادتين لفظا ، ولكن الجهل الذي هو ضد العلم يشبَّه صاحبه بالأعمى ، لأنه لا يقوى على التمييز بين الخقائق ، ولا شك أن العمى هنا منظور إليه بمعناه غير الحسي إذ المراد به الجهل أو الضلال ، وهما ضدان لعلم والهدى.
بلاغة الطباق
رأى علماء البلاغة أن بلاغة الطباق لا تكمن في الإتيان بلفظين
متقابلين في المعنى فحسب ، فإن هذا الصنيع لا طائل من ورائه ، وهو أسهل شيء ، بل
قد يؤدي ذلك إلى التكلف والتصنع ، وفساد المعنى ، وإنما جمال الطباق وبلاغته يتجلى
في بعده من التكلف ، وانسجامه في المعنى ، ولا يأتي مجرد ، وإنما يجب أن
يترشح بنوع من أنواع البديع الأخرى ، يشاركها في البهجة والرونق كقوله تعالى : ((
تولج الليل في النهار ، وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت ، وتخرج
الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب )) (29) . ففي العطف بقوله تعالى : "
وترزق من تشاء بغير حساب " دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة قدر
على أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده ، وهذه مبالغة في التكميل المشحونة بقدرة
الله سبحانه وتعالى ، فانظر إلى عظم كلام الخالق هنا ، فقد اجتمع فيه المطابقة
الحقيقية ، والعكس الذي لا يدرك ، لو جازته ، وبلاغته ومبالغة التكميل التى لا
تليق بغير قدرة الله سبحانه وتعالى . (30).
"وأن سر بلاغة كل من الطباق والمقابلة إنما هي تداعي المعاني ، فالضد
أو المقابل يجلب إلىالذهن ضده ، أو مقابله .. فإذا كتب الأديب أو نطق ، أحد
المتساندين وقع مقابلة في ذهن متلقي قي الأدب ، قبل أن يقرأه أو يسمعه
، وبهذا يتحول متلقي الأدب إلى مرسل له " (31).
الهوامش والحواشي
(1)
(2)
(3) .
ثانيا ـ المـقـابـلة
تعد المقابلة من المحسنات البديعية المعنوية التي ترجع إلى تحسين المعنى . وقد
جعلها بعض علماء البلاغة مستقلة بذاتها ، بعدما كانت عند بعضهم مختلطة مع
الطباق . وكان قدامة ابن جعفر أول من تكلم عنها ، وعدها فن مستقل بذاته ،
وذكرها في معرض حديثه عن بعض الخصائص الأسلوبية التي تعلي من قيمة العمل الأدبي ،
وخاصة الشعر . وقد عرفها بقولة :" وصحة المقابلة أن يضع الشاعر معاني يريد
التوفيق ، أو المخالفة بين بعضها وبعض ، فيأتي في الموافق بما يوافق ، وفي المخالف
علي الصحة ، أو يشرط شروطا أو يعدد أحوالا في أحد المعنيين ، فيجب أن يأتي
فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده ، وفيما يخالف بضد ذلك " (1)
وعرفها أبو هلال العسكري ، بقوله: " هي إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في
المعنى ، واللفظ على وجه الموافقة ،أو المخالفة ، نحو قوله تعالى : ((فمكروا مكرا
ومكرنا مكرا )) فالمكر من الله تعالى : العذاب . جعله الله عز وجل مقابلة
لمكرهم بأنبيائه ، وأهل طاعته ))(2) .
كما عرفها ابن رشيق القيرواني ، فقال : المقابلة " أصلها ترتيب الكلام على ما
يجب ، فيعطى أول الكلام ما يليق به أولا ، وآخره ما يليق به آخرًا ،
ويؤتى في الموافق بما يوافقه ، وفي المخالف بما يخالفه ، وأكثر ما تجيء المقابلة
في الأضداد ، فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة " (3) .
وعرفها السكاكي ، فقال : المقابلة أن تجمع بين شيئين فأكثر ،
وتقابل بالأضداد ، ثم إذا شرط هنا شرطت هناك ضده "(4) .
وعرفها الخطيب القزويني ، فقال : " هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين ،أو
أكثر ،ثم بما يقابل ذلك على الترتيب " (5).
ويعرفها بدر الدين الزركشى يقول : " هو ذكر الشيء مع ما يوازنه في بعض صفاته
، ويخالفه في بعضها " (6) .
وخلاصة القول من التعريفات السابقة لها أن المقابلة : هي أن يأتي
المتكلم في كلامه بمعنيين متوافقين أو أكثر ليس بينهما تضاد ،
ثم يأتي بما يقابل ذلك على الترتيب . على شاكلة قوله تعالى : (( فليضحكوا
قليلا ، وليبكوا كثيرا جزاءا بما كانوا يكسبون )) (7) . فقد أتى الله سبحانه
وتعالى في هذه الآية بمعنيين " يضحكوا " و""قليلا " وهما
معنيان متوافقان أي ليس بينهما تضاد ، ثم أتى بعد ذلك بما يقابلهما على الترتيب
بقوله " وليبكوا " و " كثيرا " .
- ·
من ذلك أيضا قوله تعالى :
(( فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى وكذب
بالحسنى فسنيسره للعسرى )) (8) . فقد قابل بأربعة معان، بأربعة أخرى ،
الأربعة الأولى هي : " أعطى " " ,اتقى" , "صدق " و
"اليسرى
" .
والأربعة الثانية هي: " بخل " و "استغنى " و" كذب " و "العسرى " .
الفرق بين المطابقة والمقابلة
يكمن
الفرق بين المطابقة والمقابلة في وجهين :
الأول – أن الطباق لا يكون إلا بين الضدين غالبا . والمقابلة تكون لأكثر من
ذلك ، كأن تكون مثلا بين أربعة أضداد : ضدين في صدر الكلام ، وضدين في عجزه
. وقد تصل المقابلة إلى الجمع بين عشرة أضداد : خمسة في الصدر ، وخمسة في العجز .
وقال علماء البديع : كلما كثر عددها كانت أبلغ . فمن مقابلة خمسة ألفاظ
بخمسة أخرى ، قول أمير المؤمنين علي ( كرم الله وجهه) لعثمان بن عفان ( رضي الله
عنهما ) : إن الحق ثقيل مري (يسهل بلعه ) ، والباطل خفيف وبيّ (من الوباء وهو:
المرض ) ، وأنت رجل إذا صدقت سخطت ، وإن كذبت رضيت " (9) .
الثاني – أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد ، أما المقابلة بالأضداد وغير الأضداد ،
ولهذا جعل ابن الأثير ،الطباق أحد أنواع المقابلة ، ولكنها بالأضداد تكون أعلى
رتبة ، وأعظم موقفا . ويضرب ابن حجة مثلا لذلك فيقول : " ومن معجزات
هذا الباب قوله تعالى :
(( ومن
رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
))(10). فانظر إلى مجيء الليل والنهار في صدر الكلام ، وهما ضـدان ،
ثم قابلهما في عجز الكلام بضدين ، وهما السكون والحركة ، على الترتيب ، ثم عبر عن
الحركة بلفظ مرادف ، فاكتسب الكلام بذلك ضربا من المحاسن زائدا على المقابلة ،
فإنه عدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل ، لكون الحركة تكون
لمصلحة ، ومفسدة ، وابتغاء الفضل حركة المصلحة دون المفسدة ، وهي تشير إلى
الإعانة بالقوة ، وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل ، وسلامة الحس ، وإضافة الطرف
إلى تلك الحركة المخصوصة واقعة فيه، ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المآرب ، ويتقي أسباب
المهالك . والآية الكريمة سيقت للاعتداد بالنعم ، فوجب العدول عن لفظ الحركة
إلى لفظ هو ردفه ، ليتم حسن البيان ، فتضمنت هذه الكلمات التي هي بعض آية عدة من
المنافع والمصالح، التي لو عددت بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة عنا إلى
ألفاظ كثيرة ، فحصل في هذا الكلام ، بهذا السبب ، عدة ضروب من المحاسن . ألا
ترى الله سبحانه وتعالى كيف جعل العلة في وجود الليل والنهار ، حصول منافع
الإنسان ، حيث قال :" لتسكنوا ، ولتبتغوا " (بلام التعليل
!) فجمعت هذه الكلمات من أنواع البديع : المقابلة ، والتعليل ، والإشارة ،
والإرداف ، وائتلاف اللفظ مع المعنى ، وحسن البيان ، وحسن النسق ، فلذلك جاء
الكلام متلائما ، آخذا بعضه بأعناق بعض ، ثم أخبرنا بالخبر الصادق : إن جميع ما
عدده من النعم باللفظ الخاص ، وما تضمنته العبارة من النعم التي تلزم من لفظ
الإرداف ، بعض رحمته ، حيث قال بحرف التبعيض : " ومن رحمته " . وهذا كله
في بعض آية عدتها عشر كلمات ، فالحظ هذه البلاغة الباهرة والفصاحة الظاهرة (11) .
.أنواع المقابلة
تأتي المقابلة على أربعة أنواع هي :
1-مقابلة
اثنين باثنين : ومن ذلك في الأسلوب القرآني قوله تعالى :
(( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا )) (12)
- ·
وقوله
تعالى
:
(( تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء )) (13).
- ·
وقوله
تعالى
:
(( تخرج الحي من الميت ، وتخرج الميت من الحي )) (14) .
*وقوله أيضا :
(( وجعلنا الليل لباسا ، وجعلنا النهار معاشا )) (15).
*وقوله : (( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ، والنهار مبصرا إن
في ذلك لآيات لقوم يؤمنون )) .(16)
فقد جاء في صدر هذه الآيات السابقة بضدين ، ثم قابل الضدين بضدين لهما
في عجزها ، على الترتيب . فجاءت خذه المقابلات في غاية البلاغة والروعة . وقد ورد
هذا النوع من المقابلة كثيرا في القرآن الكريم ونكتفي بهذا القدر منه ، حتى
لا يطول بنا حبل الكلام .
*ومنه أيضا قول الحبيب محمد (ص) : (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا كان
الحزق ( الحمق والتسرع ) في شيء إلا شانه )) . فانظر كيف قابل الحبيب محمد (ص)
الرفق بالحزق ، والزين بالشين ، بأحسن ترتيب ، وأتم مناسبة .
*وقوله أيضا لأم المؤمنين : (( عليك بالرفق يا عائشة ، فإنه ما كان في شيء
إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه )) .
*وقوله أيضا :
(( إن لله عبادا جعلهم مفاتيح الخير ، مغاليق الشر )) .
*وقوله أيضا للأنصار : (( إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند الطمع )) أي يكثرون
عند الملمات والحرب ، ويقلون عند المغانم ، ويعفون عنها .
2-مقابلة
ثلاثة بثلاثة : ومن أمثلة ذلك في الأسلوب القرآني ، قوله تعالى :
(( ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث )) (17) .
-
فالمقابلة
بين " يحل ، و"يحرم " ، و " الطيبات والخبائث " .
*ومنه أيضا قول الرسول (ص) ، من خطبـة له : (( ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ،
وإن الآخرة قد ارتجلت مقبلة )(18) . إن أطراف المقابلة هي : الدنيا
وارتحالها مدبرة ، يقابلها الآخرة ومجيئها مرتجلة مقبلة .
*وقوله (ص) أيضا : (( المؤمن غرّ كريم ، والفاجر خبٌّ لئيم )) (19) .
*وقال علي (كرم الله وجهه) لعثمان بن عفان (رضي الله عنه ) : (( إن الحق ثقيل وبي
، والباطل خفيف مري (يسهل بلعه )) .
*ومنه
في القريض ، قول أبي دلامة ، وهو أشعر بيت في المقابلة :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس
بالرجل
-
فالشاعر
قابل بين أحسن وأقبح " ، , وبين " الدين والكفر " وبين "
الدنيا والإفلاس ". قال ابن أبي الإصبع : إنه لم يقل قبله مثله . (20) .
3-مقابلة
أربعة بأربعة :ومثاله في الأسلوب القرآني ، قوله تعالى : ((
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل
واستغنى ، وكذب بالحسنى ، فسنيسره لليسرى ))(21) .
-
فالمقابلة
بين قوله تعالى " استغنى " و قوله " اتقى " لأن المعنى زهد
فيما عنده ، واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة ، وذلك يتضمن عدم التقوى.
*ومن مقابلة أربعة بأربعة أيضا قول أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) في
وصيته عند الموت : هذا ما أوصى به أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها ، وأول
عهده بالآخرة داخلا فيها )) . فقابل أول بآخر ، والدنيا بالآخرة ، وخارجا بداخل ،
ومنها بفيها . فانظر إلى ضيق هذا المقام كيف صدر عنه مثل هذا الكلام ))(22).
*ومثله في القريض ، قول أبي تمام :
يا أمة كان قبح الجود يسخطها دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها
*وقول ابن حجة الحموي :
قابلتهم بالرضا والسلم منشرحا ولوا غضابا فوا حربي لغيظهم (23)
4-
مقابلة خمسة بخمسة : قال علماء البلاغة كلما كثر عدد المقابلة كانت أبلغ ، فمن
مقابلة خمسة بخمسة ،وقد وقع ذلك في الشعر كثيرا ، ومن أمثلته قول أبي الطيب المتنبي
:
. أزورهم وسواد الليل يشفع
لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي
قال
صاحب الإيضاح : ضد الليل المحض هو النهار لا الصبح ، والمقابلة الخامسة بين "
بي " و "لي " ، فيها نظر لأن الباء ، واللام ، صلتا الفعلين
(24) .
*ومنه أيضا قول صفي الدين الحلي :
كان الرضا بدنوي من خواطرهم فصار سخطي
لبعدي عن جوارهمُ
-فالمقابلة
بين الشطر الأول كله ، والشطر الثاني كله .
وقد رأى علماء البلاغة أنه كلما كثر عدد المقابلة كانت أبلغ ، شريطة أن لا تؤدي
هذه الكثرة إلى التكلف والتصنع . فوجدنا مقابلة ستة بستة ، كما في قول ،شرف
الدين الأربلي :
على رأس عبد تاج عز يزينه وفي رجل حر قيد ذل يشينه
- فالمقابلة هنا بين ألفاظ صدر البيت كله وبين عجزه كله .
وإن
كنت أري أن المقابلة إذا ذادت على أربعة ، بأربعة ، قد تسلّم إلى التكلف والتصنع ،
وقد نفسد المعنى ، وتؤدي إلى اضطراب الأسلوب وتعقيده . ولذا ندر أن نجد أكثر
من مقابلة أربعة بأربعة في الأسلوب القرآني المثل الأعلى في البلاغة والفصاحة،
وكذا الأسلوب النبوي . وكما أن المقابلة لا ضير في أن تكون بالأضداد ، أو
بغيرها (شبيهها )، لأن المعنى يستدعي بعضه بعضا ، سواء بالمقابلة أو بالشبه ، وإن
كان الضد أكثر ورودا على البال من الشبه ، وأوضح في الدلالة علة المعنى منه ، فإن
الشبه يثير الفكر ، وينشطه ، ويؤدي إلى تداعي المعاني ، ويجعله يبحث
عن أي الوجوه يكون ( الشبه ) المقابلة . فالمقابلة تجلو الأفكار ، وتوضح المعاني ،
وتبرزها في صورة جلية ، وتؤكدها وتقويها، وتؤدي إلى تلاحم الأجزاء
وأتلاف الألفاظ وزيادتها جمالا ، سواء كان ذلك من خلال عرض الأضداد أو الأشباه ،
وهذا سر جمالها .
الهوامش
والحواشي
(1)
95 .
(2) .
(3) .
(4) .
تطور الفن القصصي وخصائصه
تطور الفن القصصي وخصائصه .
القصة لون من
ألوان التعبير الأدبي تمتاز بالطابع الإنساني والحلة الجمالية الأنيقة تعتمد على
الوصف والسرد والحوار.
يعرفها محمود تيمور بقوله: ( هي عرض لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو تسجيل لصورة تأثرت بها
مخيلته أو بسط لعاطفة اختلجت في صدره.
فأراد أن يعبر عنها بالكلام ليصل بها إلى أذهان القراء محاولا أن يكون
أثرها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه. )
ويقسم الفن
القصصي من حيث القالب أو المظهر إلى أربعة أقسام: الأقصوصة القصة الرواية والحكاية.
هل عرف
أجدادنا الأوائل القصة ؟
وهل توفرت لها
الشروط الفنية ؟
لم يخل أدبنا القديم من القصة بمفهومها البسيط ففي الأدب الجاهلي قصص
تدور حول أيام العرب وحروبهم يرونها في
الحل والترحال وتحت الخيام في ليالي السمر. وفي القران الكريم قصص
الأنبياء وأقوامهم. وفي العصر العباسي نقل إلى العربية بعض القصص من الأمم
الأجنبية مثل كليلة ودمنة لابن المقفع وألف الجاحظ كتاب البخلاء. وظهر فن المقامات. وكتب المعري رسالة الغفران وابن طفيل حي بن يقظان.
إلا أن ما كتب في هذه الفترة لم تتوفر فيه الشروط الفنية. بسبب الإغراق في الطول والاستطراد. الاهتمام بغريب الألفاظ. والاحتفاء بالصناعة
اللفظية. وعدم التعمق في تحليل نفسيات الشخصيات.
في العصر
الحديث.
اتصل الأدباء العرب بالغرب فاطلعوا على إنتاجهم القصصي الرفيع فأعجبوا به وانكبوا ينهلون منه انكباب يتيم جائع على مائدة غني كريم. وراحوا
يترجمون بعضا ويقلدون بعضا ويقتبسون من
بعضها الآخر.
حاول بعض الكتاب العرب إحياء فن المقامة من جديد أمثال اليازجي والمويلحي والشدياق وكتبوا محاولات قصصية جادة عالجت الواقع بنظرات لماحة نافذة.
إلا أنها لم تلب حاجات العصر ولم
تستوف التعبير عن وجدان الأمة. وهذا يعني أننا أمام نمطين من الفنون
القصصية العربية: نمط ابتدعه الأدباء العرب بعيدا عن أي تأثر بغيرهم. ونمط
آخر أنتجوه بعد تأثرهم بالفنون القصصية التي ازدهرت في اروبا.
وقد مرت
القصة في العصر الحديث بالأطوار التالية:
-1- مرحلةالترجمة:
نتيجة اتصال
العرب بالغرب وإطلاعهم على تراثهم الأدبي المتنوع اتجه بعض الكتاب إلى القصة لأنها الأكثر استيعابا لتطلعات واهتمامات الجماهير. وقدرتها على متابعة وتسجيل التغيرات الاجتماعية والسياسية التي كانت
تزدحم بها البلاد العربية آنئذ. وكان
رائد هؤلاء هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون.
2 مرحلة المحاكاة والاقتباس:
تتجلى أول
محاولة في هذا الطور في قصة عيسى بن هشام للمويلحي الذي حاول إدخال مقومات القصة الغربية والمحافظة على أسلوب
المقامات وهو نفس النهج الذي انتهجه حافظ إبراهيم في ليالي سطيح.أما المنفلوطي فقد ترجم بتصرف
وتغيير حتى يرضي القراء كما في الشاعر. مجدولين.
-3- مرحلة الإبداع:
وفيها أنتج الأدباء قصصا فنيا اعتمادا على إبداعهم وتبدأ بقصة زينب للدكتور
محمد حسين هيكل. برغم غلو هذه القصة في
الرومانسية وحلولها المفتعلة إلا أنها تعد البداية الفنية الحقيقية
للرواية الاجتماعية. ثم ظهر لفيف من الأدباء بقصص جديدة توفر فيها البناء
الفني فكتب طه حسين الأيام ودعاء الكروان – وتوفيق الحكيم عصفور من الشرق. ويوميات نائب في الأرياف. ونجيب محفوظ في الثلاثية وجرجي زيدان بقصصه التاريخي في سلسلة روايات تاريخ الإسلام.
أما في
الجزائر فقد كتب رضا حوحو غادة أم القرى وكتب محمد ديب ثلاثيته البيت الكبير. الحريق. النول. وكتب مولود معمري العصا والأفيون.
وهكذا تطورت القصة العربية ونضجت واكتملت فنيا وما نيل نجيب محفوظ لجائزة
نوبل للآداب إلا دليل على دلك. وقد
تنوعت موضوعات القصة العربية الحديثة وتعددت اتجاهاتها فمنها ما هو اجتماعي أو
نفسي وآخر تحليلي ومنها ماهو وطني وقومي وقد تجمع القصة الواحدة عدة ألوان
وطنية اجتماعية نفسية.
خصائص الفن
القصصي. :
1- التمهيد: ( الزمان والمكان ) الزمن قد يمتد
لأجيال وأجيال أو يقصر ليشمل فترة وجيزة ففي قصة قرية ظالمة لمحمد كامل
حسين الزمن يوم وليلة وهو نفس الزمن في ذهاب وإياب لصبري موسى.
2 - الأحداث: الكاتب الناجح يصنع من الحدث
البسيط فنا عميقا راقيا حيث يتعمق في دراسة الأحداث فيرتبها وينسقها في شكل منطقي.
-3- العقدة: وتنجم عن ترتيب الحوادث وهي
النقطة التي تتجمع عندها الخيوط فيتعقد الموقف ويتلهف القارىء لمعرفة الحل.
-4- الحل: ويشترط فيه أن يكون منسقا مع
الأحداث وقد يكون سعيدا أو حزينا.
-5- الشخصيات: جاهزة ونامية نجاح القصة يعتمد
على نجاح الكاتب في تصوير الشخصيات فلابد أن تتطابق مع الأحداث ومع الواقع.
-6- الأسلوب: هو التعبير ووسائله اللغوية فلكل
كاتب زاده اللغوي وأسلوبه الذي يميزه عن غيره فأسلوب العقاد يختلف عن أسلوب
طه حسين أو احمد أمين.
الفن القصصي محبب إلى القلوب يتلذذ به الكبير قبل الصغير يجعلنا نحس
بالراحة والتغيير حيث ندخل المعامع
والمغامرات مع القصص البوليسي ونتجول في حدائق غناء مع القصص الرومانسي نتألم مع
البؤساء ونبتسم مع السعداء مع القصص الواقعي وقد ساهمت القصة في نشر
الوعي ومعالجة بعض المشاكل الاجتماعية وبعث الثقافة والأخلاق
لقد تأثر الفن القصصي العربي بالآداب الغربية فعلا ولا ضير في ذلك فالآداب التي تريد لنفسها الاستمرار ينبغي أن لا تضيع فرصة الازدهار والانبعاث.
المسرحية
نص أدبي يأتي
على هيئة حوار يصور به الكاتب قصة مأساوية أو هزلية ويقوم الممثلون بتمثيل النص
المسرحي بقاعة المسرح ضمن إطار فني.
وهي من أقدم الفنون الأدبية التي عرفتها الحضارة الإنسانية. فمنذ زمان
بعيد أقام الإغريق مسارحهم في مناسبات
دينية ووطنية. فعرفوا المأساة والملهاة. وتناولوا موضوعات دينية واجتماعية
وأدى مسرحهم دوره في تعليم مجتمعهم. واعدوا شروط المسرح واستفاد منها
حتى كتاب العصر الحديث.
وعن هؤلاء
اخذ الرومان ثم الفرنسيون والإنجليز والألمان وعن هم اخذ العرب.
لكن إقبال العرب على المسرح لم يتم إلا في العصر الحديث على الرغم أنهم
اطلعوا عليه عند ترجمة بعض المؤلفات
اليونانية في البلاغة والفلسفة والرياضيات في بداية العهد العباسي. ولعل ذلك
يرجع إلى ارتباط المسرح بالأفكار الوثنية التي لا يقرها الإسلام والى طبيعة
الشعر العربي الغنائي الذي لا يصلح للتمثيل.
المسرح
العربي حديث النشأة ظهر على يد مارون النقاش 1847م بعد عودته من الغرب وقدم لأول
مرة مسرحية البخيل لموليار وهكذا نشا المسرح قبل المسرحية.
تطورها:
1- مرحلة الاقتباس:
شجع إنشاء
دار الأبرا في مصر بعض اللبنانيين المهتمين بالمسرح على اقتباس الأفكار من الأدب
الاروبية وصبغتها بصبغة محلية.
2- المسرحية الاجتماعية:
تطورت
المسرحية على يد من درس فن المسرح في اروبا فقد أنشا جورج الأبيض مسرحا عربيا في مصر اثر عودته من فرنسا 1910م وقدم مسرحية وليدة
البيئة العربية مصر الجديدة.لفرج أنطوان. غلبت عليها الفصحى واصالة الفكر العربي.
3-المسرحية الواقعية: اتجهت المسرحية إلى التعبير عن الواقع فظهرت عدة مسرحيات
تعالج الواقع السياسي والاجتماعي
والاقتصادي والنفسي وتعتبر مسرحيات توفيق الحكيم مثلا واضحا لهذا الطور
عالج مشكلات اجتماعية كما فعل ازيس وبراسكا وأضفى على شخصياته فكرا فلسفيا وتتجلى
نزعته الفلسفية في مسرحية شهرزاد - و سليمان الحكيم -.
المسرحية الجزائرية: يعد رضا حوحو من رواد المسرحية
المكتوبة بالعربية فقد اشرف على فرقة تمثيلية وكتب لها مسرحية عنبسة- وبائعة الورد – والعقاب – النائب المحترم – وسي عاشور -. أما المسرحية المكتوبة بالفرنسية يمثلها كاتب ياسين في الجثة المطوقة – والرجل ذو النعل المطاطي.
أما المسرحية الشعرية فقد ظهرت على يد احمد شوقي الذي كتب -مصرع كلييو
باترة – مجنون ليلى – قمبيز... وعزيز أباظة الذي ألف
ست مسرحيات- قيس ولبنى – العباسة- شجرة الدر – الناصر –
غروب الأندلس – شهريار – وقد استطاع أن يتجنب ما وقع فيه شوقي من مآخذ
واستفاد مما وجه إليه من نقد.
وللمسرح
ثلاثة أشكال هم:
1- المأساة وهي مسرحية درامية تنتهي دائما بالموت.
2-الملهاة مسرحية هزلية ذات نهاية سعيدة. 3-الأبرا المغناة وهي ذات موضوع مأساوي.
عناصر
المسرحية: 1-التمهيد *وهو الجزء الأول من المسرحية يمهد
فيه الكاتب للمسرحية ويعرف بالشخصيات وأعمالهم. أما البيئة فيصورها عن طريق الحوار.
2- العقدة وهي العنصر الأساسي في بناء الحبكة الفنية وتنشا عن المعوقات أو
الصراع الذي ينشا بين قدوتين متعارضتين
تثير عند الجمهور الرغبة في انتظار الحل.
3- الحل * وهو النتيجة التي تصل إليها أحداث المسرحية.
4- الزمان والمكان * وهما البيئة التي يدور فيها أحداث
المسرحية زمان المسرحية قصير ومكانها محدود.
5- الشخصيات * وهم الممثلون الدين يقومون بالحركة المسرحية. ويشترط فيها الثبات وعدم
التناقض مع الواقع.
6- اللغة وسائل التعبير المسرحي
متعددة – الحوار – الملابس* الأضواء *الأثاث* الحركة* ولكل فرد لغته الخاصة
وهذا ما أطلق عليه النقاد الواقعية في المسرح من الكتاب من اختار
العامية ومنهم من فضل الفصحى واثر البعض الآخر المزج بين العامية والفصحى.
المسرحية كما
هو معلوم تشترك مع القصة في اشتمالها على الحادثة والشخصية والفكرة ولا تتميز عنها إلا في اعتمادها على الحوار كوسيلة وحيدة للوصف وعرض الأحداث. وبقدر ما يكون الحوار مطابقا للشخصيات سهلا واضحا يتوفر على إيقاع موسيقي مناسب. لا تطغى عليه روح المؤلف طغيانا يفسده.بقدر ما يكون ناجحا. إذا كان الحوار هو مظهر المسرحية الخارجي فان مظهرها الداخلي يتمثل في الصراع الذي يجب أن يكن محبوكا
بشكل طبيعي لا تصنع فيه.
يحتل المسرح لدى مختلف الشعوب مكانة مرموقة نظرا للدور الذي يلعبه في تثقيف الفئات الشعبية وتنمية ذوقها الجمالي فضلا عن تسليتها والترفيه عنها والمسرح دليل على الرقي الاجتماعي فهو أداة لنقل قيم شتى ووسيلة
لترقية الفكر خاصة إذا كان يحمل فكرة
راقية بلغة سامية. فالمسرح قبل أن يكون تمثيلية فهو نص أي انه شكل ومضمون
فالفكرة السامية يجب أن يعبر عنها باللغة الراقية غير مبتذلة أو
هزيلة. أما إذا كان المسرح بلغة العوام فهو تهريج لا طائل منه. وإذا لم يصور
مجتمعه في ماضيه وحاضره ومستقبله ويعكس آماله وتطلعاته معتزا بالقيم
ومقومات الشخصية. كان دخيلا يهدم بدلا من أن يبني يفسد عوض أن يصلح.
ومادام المسرح يلعب هذا الدور الهام فهو يحتاج إلى تخطيط وأموال وتشجيع دائم.
غير أن المسرح فن وليس تهريجا فكتابته
من مهام الأدباء وتمثيل الأدوار فن لا يناط إلا بأصحاب المواهب من خريجي
المعاهد المختصة.
المذاهب الادبية الغربية واثرها على الادب العربي
المذاهب الادبية الغربية واثرها على الادب الاعربي
-مصطلح أطلقه
النقاد والأدباءعلى نتاجات فنية متميزة عبرت بصدق عن حالات نفسية
عامة أوجدتها مسيرة الشعوب
عبر التاريخ وملابسات الحياة ومتغيراتها وقد بدأت ملامح هذه المذاهب تتبلور ابتداء من عصر
النهضة. وبفضل الاحتكاك بالثقافة الغربية استطاع أدباؤنا أن يطلعوا على هده المذاهب الأدبية
ويتخذوها سبيلا لتطوير الأدب
العربي شكلا ومضمونا..
1/المذهب الكلاسيكي وتسمى الاتباعية
أقدم المذاهب الأدبية في اروبا ظهر بعد حركة البعث العلمي في القرن الخامس
عشر . قائم على محاكاة
الأدب اليوناني القديم .ويعتبر كتاب الشعر لأرسطو دستور الكلاسيكية الذي يتضمن
القواعد النظرية لفني الملاحم والتمثيل .اكتملت ملامح هدا المذهب في النصف الأول من القرن السابع
عشر .عندما وضع الشاعر
والناقد الفرنسيبوالو أسس المذهب الكلاسيكي في كتاب سماه فن الشعر . ..
.وقد
كانت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاشتها أوربا خلال
القرنين السابع عشر
والثامن عشر الميلاديين . حيث سيطر العقل على الحياة الاجتماعية والفكرية وانعكس على الحياة الأدبية.
وهدا ما جعل أدب الكلاسيكية يتسم بما يلي
_//
- العناية الكبرى بالأسلوب بالحرص على فصاحة اللغة
وأناقة العبارة واستعمال اللغة الراقية
.
- الوضوح والفصاحة وجودة الصياغة اللغوية.
- والبعد عن التعقيد وتجنب الإسراف العاطفي والبعد عن الخيال
.
- الاعتماد على الفلسفة العقلية فالعقل هو السلطان
الذي يقود الوجدان والخيال ويجعله يسير في حدود العقل.
- خفوت النزعة الذاتية ورواج الأدب الموضوعي .
- التعبير عن حاجات الطبقة الارستقراطية .
- محاكاة القدماء والالتزام المطلق بأصولهم
وقواعدهم في الإبداع الأدبي .
- اقتباس الموضوعات من التاريخ القديم .
- ربط الأدب بالمبدأ
الخلقي وتوظيفه في الغايات التعليمية
.
- احترام الأعراف والقوانين الاجتماعية السائدة
وتعد فرنسا بحق التربة الخصبة التي ترعرع فيها هذا المذهب حيث تعد جماعة البليياد رائدة هذا
المذهب في فرنسا التي ترى أن
الإبداع الأدبي لن يتحقق إلا بالتمرس على الأدب اليوناني القديم .
غير أن تأثير هده الجماعة في الأدب لم يظهر إلا في القرن السادس عشر بتدعيم من الفلسفة
الديكارتية .
.وهكذا فالأدب عند الكلاسيكيين هو الذي يعكس الحقيقة المطلقة التي
لا تتغير بتغير المكان
والزمان .و في ظل الكلاسيكية راج الشعر المسرحي و ضعف الشعر الغنائي وانمحت الذاتية تحت سلطة
المجتمع الأرستقراطي .
-أقطاب هدا المذهب في
فرنسا هم (*موليير و*كور ناي و*راسين). الذين اهتموا بالأدب
التمثيلي وتشددوا في الأخذ بقانون الوحدات الثلاث
.وقلدوا الأدب
اليوناني فمثلوا في المأساة حياة الملوك والنبلاء وفي الملهاة حياة الغوغاء من الناس .
–تأثيرها على الأدب العربي. انحصر تأثيرها في الشعر
المسرحي .عندما احتك الأدباء العرب بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي عن طريق الترجمة .
ظهر اثر الكلاسيكية بوضوح في مسرحيات احمد شوقي الذي استفاد من إقامته
بفرنسا فاطلع على ا لمسرح
الكلاسيكي فكتب مسرحيات شعرية منها {*مصرع كليوباترة.*.مجنون ليلى*..قمبيز}حيث اقتنى
بعض عناصر المذهب الكلاسيكي منها:1-الصراع بين الهوى والواجب الذي نلمسه في مصرع
كليوباترة.2استخدام اللغة
الراقية.3-استمداد موضوعا ته التاريخ القديم .
حاول احمد شوقي أن يوفر قدرا من الموضوعية لشخصياته إلا أن الحظ جانبه في
كثير من الأحيان فكان
الشعر يأتي على لسان بعض شخصياته غنائيا لا موضوعيا وهذا جلي في
مجنون ليلى.-كما لم
يهتم بقانون الوحدات الثلاث .
المذهب الرومانسي وأثره في الأدب العربي وتسمى الإبداعية أو الابتداعية
بدا هذا المذهب يتصدر الحياة الأدبية في اروبا أواخر القرن الثامن عشر
وبلغ أوج ازدهاره في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر .كان ثائرا على الكلاسيكية لإغراقها في الصنعة ومغالاتها في تعظيم العقل وإمعانها في السير على
خطط القدماء .
من ر واد المذهب في انجلترا {شكسبير}في القرن السابع عشر وهو أول من
نسج خيوط الرومانسية في
مسرحياته التي حلل فيها النفس البشرية{مثل .مسرحية* تاجر البندقية
}ثم تجسدت في
أعمال الشاعرين {وردزورث وكلوريدج .كما تجسدت في آثار وليام
بليك وتوماس جراي }
- ومن أعلامه في ألمانيا {غوته وتشيلر } أما العوامل التي ساعدت
على نشوء الرومانسية في فرنسا ** هي حالة التمزق والتغني بالفردية بسبب الأحوال السياسية
والاجتماعية والاقتصادية اثر قيام الثورة الفرنسية وعودة الكثير من أدبائها من
المنفى.
-أما في فرنسا فقد مهد
للرومانسية عدد من الأدباء منهم ..{الفيلسوف جان جاك روسو. و شاطوبرييان .و لامرتين .وفكتور هيجو}الذي
تأثر بشكسبير* من خلال
ترجمته وتحليله لمسرحياته.وهو أب الرومانسية حيث حلل قيم المذهب
الرومانسي في مقدمة
مسرحيته* كرومويل والتي تعد دستور الأدب الرومانسي
*ما يميز فلسفة الرومانسية //
–قيامها على العاطفة
– وهي نابعة من
القلب.فهو الملهم
الهادي .-وهو موطن الضمير الذي يميز بين الخير والشر عن طريق الإحساس والذوق الموصل للإحساس بالجمال
.
- والأديب عندهم يبدع انطلاقا من ذاتيته الخاصة يتغنى بمشاعره وخواطره
مهما كانت درجتها وضيعة أم عظيمة
-
-والمجتمع الرومانسي مثالي لا اثر فيه للطبقية أو الظلم والطغيان ..فإذا كانت
غاية الكلاسيكية تربية
المجتمع عن طريق تلقين الفضائل الدينية والاجتماعية .فان الرومانسية
تهدف إلى نشر
العدل والتحرر الفكري والسياسي حتى تنال الطبقات الدنيا والوسطى حقوقها .*
-أدب الرومانتكيين ثائر على أصول الكلاسيكية
وقواعدها وعلى كل ما يمت بصلة إلى الآداب اليونانية .لذا يمكن أن نحصر ملامح هذا المذهب فيما يلي :
- الأدب وسيلة للتعبير عن الذات
ودعوة لتحرر الإنسان من القيود
القديمة .
-التعبير عن الشكوى
والقلق والتشاؤم ولهذا كثيرا ما يلجا الرومانسيون إلى تصوير مشاعرهم
ممزوجة بالطبيعة فهي الملاذ والأنيس
والمتنفس والمحاور .
—محاربة نظرية المحاكاة. إذ الأدب عندهم خلقوإبداع عن طريق الخيال
الجانح والعاطفة المتأججة .
–اهتموا بالمضمونوالأفكار أكثر من الأسلوب .
-دعوا إلى التحرر
من قيود الشكل
والتركيز على
الفطرة والسليقة وفي ظل الرومانسية ازدهر الشعرالغنائي
اثر الرومانسية الغربية في
الأدب العربي .-وجد الأدباء العرب في هذا
المذهب الذي يتميز بالثورة على كل أشكال الظلم والحرمان متنفسا يعبرون من خلاله عما يجيش في
صدورهم من ضيق وعن آمال
شعوبهم في الحرية والعيش الكريم والعدل والمساواة.وقد ظهر هذا التأثر
في شكل كتابين
نقديين هما: الغربال لميخائيل نعيمة والديوان الذي ألفه العقاد بمعية
المازني وفي ظل
الرومانسية نشأت تنظيما ت أدبية أهمها:
1-الرابطة القلمية أو جماعة المهجر .
**تأسست سنة 1920م بزعامة جبران خليل جبران
تضم ابرز أدباء المهجر مثل نسيب عريضة .إيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة الذي وضع
كتابا سماه الغربال سنة 1913م وهو عبارة عن
مجموعة من المقالات تتضمن الأسس النقدية الهامة التي اعتمد عليها الشعراء الرومانسيون .عالج
المهجريون مواضيع شتى من حزن
وألم وقلق. والشوق إلى الأهل والأوطان وذكر الطبيعة والاندماج فيها وتعمقوا في خبايا النفس
البشرية . وكان للأدب المهجري اثر عميق في رقي الأدب العربي . شكلا ومضمونا .
- -2-مدرسة الديوان
:
تأسست في 1921م يمثلها عبد
الرحمن شكري عباس محمود العقاد وعبدا لقادر المازني وقد ساعدهم على تطوير
الحركة الأدبية والشعرية خاصة -1-الإطلاع الواسع على أغوار التراث العربي الأصيل . – 2-الإطلاع
الواسع على الآداب الغربية
والشعر الانجليزي خاصة .ثار هؤلاء على الشعر الكلاسيكي عند القدماء والمحدثين بزعامة احمد
شوقي. تجسد هذا الاتجاه في ديوان شكري
{ضوءالفجر } وقد اصطبغ شعره
برومانسية حزينة عبرت بصدق عن آلام المجتمع المصري أثناء الاحتلال. وضمن هذا المنهج النقدي اتجه العقاد
والمازني في دعوتهما إلى
التجديد فنقد المازني نقدا لاذعا المدرسة
*الاتباعية *وسخر من شعرائها وازدرى
معانيهم المسروقة وخصص بالنقد حافظ إبراهيم وشوقي عندما أصدر كتابا سنة 1915 فيه مقارنة بين شعر
حافظ وشعر شكري . بين أن
شعر شكري صادق يعبر بصدق عما يدور في نفس صاحبه ويتحسس آمال النفس وآلامها. أما العقاد فقد
انطلق في حملته النقدية سنة 1921عندما أصدر كتاب
*الديوان* مع المازني وكانت السهام
موجهة نحو شوقي .
3-جماعة ابلو: تأسست في
سبتمبر 1932م بفكرة من
الشاعر احمدزكيأبوشادي والذي اخرج لها مجلة
تحمل نفس الاسم وقد ترأسها احمدشوقي للكن المنية اختطفته بعد أيام معدودات فخلفه الشاعر اللبناني
خليل مطران. ضمت نخبة من الشعراء من أقطار مختلفة منهم
: إبراهيم ناجي وعلي محمود طه أبوالقاسم
الشابي والتجاني يوسف واحمد الشامي ..ورغم افتقار الجماعة لتخطيط فني واختلاف
نزعاتها إلا انه غلب غليها
الاتجاه الرومانسي . –وقد
تميز الأدب العربي الرومانسي
بما يلي : --الصدق – سيطرة الذاتية
– الاهتمام
بالنفس الإنسانية –تمجيد الألم
الذاتي والإنساني – اللجوء إلى الطبيعة التي منحت أشعارهم جدة وابتكارا –الدعوة إلى الخير والحق
والجمال ---هذا من ناحية
المحتوى
.أما من الناحية الفنية فقد تميز إنتاجهم الشعري بما يلي : --تجديد
وتنويع أساليب التعبير—رقة
الألفاظ ووضوحها وعذوبتها .—تجنب التراكيب القديمة .فجاءت لغتهم
مأنوسة مألوفة قريبة
من لغة التخاطب .—إبداع الصور الفنية الجديدة شحنها بالعواطف الحارة –الاهتمام
بالموسيقى الداخلية الناجمة عن انسجام الألفاظ ودقة الصياغة -- مع اختيار الموسيقى الخارجية التي
تنسجم مع المضمون
..
3–المذهب الواقعي وأثره في الأدب العربي : نشأت
الواقعية الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر م متأثرة بالنهضة العلمية والفلسفة
العقلانية ونتيجة للمبالغات
الخيالية والعاطفية التي انغمست فيها الرومانسية .تدعو الواقعية إلى الإبداع الأدبي بتصوير
الأشياء الخارجة عن نطاق الذات .والثورة على شرور الحياة والكاتب الواقعي يأخذ مادة تجاربه من
مشكلات العصر الاجتماعية
وشخصياته من الطبقة الوسطى أو طبقة العمال .وغاية الواقعين أن يصبح الإنسان سيد الطبيعة في
مجتمع عادل ومن ثم كان الأديب الواقعي أكثر أمانة في تصوير بيئته
.
– ولما كانت الرومانسية تحمل في حد ذاتها بذور الواقعية ليس غريبا أن
تقوم الواقعية لا على أنقاض
الرومانسية أو كمذهب مناوئي لها بل كتيار يسير جنبا إلى جنب معها .
–رغم الموضوعية
التي دعا إليها الواقعيون فقد اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي ولعل ذلك راجع إلى المبالغة في
تشخيص الآفات الاجتماعية فهم ينظرون إلى الواقع بمنظار اسود . فالخير ما هو إلا بريق زائف
فالشجاعة برأيهم يأس من الحياة وضرورة لابد منها و الكرم مباهاة والمجد تكالب
على الحياة .
فالواقعية على هذا الأساس هي انعكاس للواقع الخارجي في نفس الأديب أو هي صورة للواقع ممزوجة بنفس
الأديب وقدراته .
ولهذا يمكن إجمال خصائصها فيما يلي
//
-قيامها على أساس الفلسفة الوضعية والتجريبية .
- الدعوة إلى الموضوعية في الإبداع الأدبي عكس
الرومانسية .
تصوير ما تعانيه الطبقة الدنيا من حيف وتشخيص الآفات الاجتماعية مما
جعل أدبهم يتسم بطابع تشاؤمي .
- تركز إنتاجهم على القصة والمسرحية .
-ويعد
*بلزاك*الرائد الأول
للواقعية في فرنسا إذ خلف موسوعة في الأدب الواقعي تشمل نحو مائة وخمسين قصة 150 أطلق عليها في
أواخر أيامه *الكوميديا البشرية * و الفرنسي فلوبيرصاحب رواية* مدام بوفاري * التي صور فيها عصره
بجميع مشكلاته .
–وفي انجلترا مثل هذا الاتجاه *شريدان و* شاكري *وتشارلز دي كنز * الذي قدم وصفا صادقا
للمجتمع الإنجليزي في رواياته *صحائف بكويك*و*دافيد كوبر فيلد * و*دمني وولده - - ويميز النقاد بين الواقعية1-—الواقعية الانتقادية أو الواقعية الاروبية المتشائمة يمثلها من ذكرنا سابقا.
2–الواقعية الطبيعية
*
.. واصل التيار الواقعي عند الغربيين تطوره حتى انتهى إلى الواقعية الطبيعية . ويعد* إميل زولا * رائد هذا المذهب بدون
منازع . فالإنسان عندهم مقيد مجبر على إتباع غدده.
والأدب عبارة عن تحاليل مخبرية فالإنسان يرث عناصر الجريمة .
-3-الواقعية الاشتراكية.
*
وقد ظهر تيار آخر للواقعية أطلق النقاد عليها اسم الواقعية الجديدة * تمييزا عن واقعية الغرب
المتشائمة . والواقعية الجديدة تصور واقعا جديدا لذا قيل عنها أنها واقعية التفاؤل والاستبشار .
وهي حصيلة النظرة الماركسية
للأدب والفن وهي حصيلة التجربة المعاصرة لكتاب الاتحاد السوفيتي وقد التزموا بأهداف
الطبقة العاملة و النضال في سبيل تحقيق الاشتراكية
. من روادها
تشيكوف*وتوليستوي *ومكسيم جوركي*في قصة* الأم *
-اثر الواقعية في الأدب العربي الحديث .
.إن الأدب العربي الحديث في اتجاهه الواقعي لم يترسم
خطى الواقعية الغربية بنظرتها المتشائمة ورفضها للحياة . بل نهج نهجا خاصا استوحاه من الواقع
العربي بمشكلاته الاجتماعية
وقضاياه السياسية. فابرز الأدباء عيوب المجتمع وصوروا مظاهر الحرمان والبؤس قصد الإصلاح
.فكتب طه حسين* المعذبون في الأرض * وكتب توفيق الحكيم حماري قال لي * ويوسف إدريس رواية الحرام * وعبد الرحمان الشرقاوي
رواية* الأرض .* ....وتبرز الواقعية في الأدب
الجزائري عند مولود فرعون في روايته ابن الفقير
*وفي أدب محمد الديب في
*الحريق *
ويعد محمود تيمور الواقعي الأول في الأدب العربي متأثرا بالكاتب الفرنسي
جي دي موباسان* فقد دعا في مقدمة كتابه الشيخ جمعة وقصص أخرى
*إلى الأخذ بالمذهب الواقعي في التأليف القصصي .
– مذاهب أدبية أخرى..بالإضافة إلى المذاهب السابقة
الذكر هناك مذاهب أدبية أخرى اقل رواجا منها
:
المدرسة
البر ناسية*
أو مدرسة
الفن
للفن*والبرناس اسم
جبل جعله الإغريق القدماء رمزا للشعر ظهرت في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر يتزعمهاا لكونت دي ليل * . وهي ترى أن
الأدب غاية في حد ذاته وليس وسيلة. لم يلق المذهب رواجا عند أدبائنا العرب لأنهم
اهتموا بمعالجة قضايا الأمة والوطن
.
–المدرسة السريالية
*ظهرت في فرنسا متأثرة بالتحليل النفسي ونظريات فرويد فجاء أدبهم كأنه هذيان محموم فلم يعش المذهب
طويلا ولم تكن له أصداء خارج
فرنسا فهو ولد وقبر فيها
.
–*المدرسة الرمزية
*.
ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . والأديب الرمزي لا يسعى إلى
نقل المعاني والصور وإنما
يعمل على نشر العدوى الفنية ونقل الحالات النفسية المستترة التي لا
تقوى على أدائها
اللغة في دلالاتها الوضعية . من زعماء الرمزية في اروبا
::*بود لير
*و آرثر رامبو *وادجار ألان بو *الشاعر القصصي الأمريكي .
*–اثر المذهب الرمزي في الأدب العربي
* :
أوجد هذا المذهب لنفسه مجالا واسعا بين شعراء العربية في العصر
الحديث انطلاقا من
لبنان ويعد الشاعر اللبناني
سعيد
عقل
أعظم ممثل للمذهب الرمزي في الأدب العربي بالإضافة إلى جورج صبيح وإيليا أبي ماضي وغيرهم من شعراء المهجر
. –خلاصة القول إن الأدب العربي باطلاعه على هذه المذاهب ازداد تفتحا على العالم الخارجي واكتسب
أبعادا إنسانية ونتيجة
لذلك توج بجائزة نوبل في الأدب التي تحصل عليها نجيب محفوظ .والتأثر
بهذه المذاهب لم
يكن تقليدا أعمى للغرب بل اخذ الأدباء فقط ما يتلاءم مع أفكارنا وأسلوب حياتنا فالطعام الذي تحسن الأضراس
مضغه وتتقن المعدة هضمه
يتحول إلى شيء مفيد يساهم في نمو الجسم وحمايته من الأسقام .
الى لقاء قريب مع موضوع جديد ان شاء الله
- نوشته شده در ۲۵ دی ۱۳۸۸ |
- نظرات - ۱۰ |
- نظر بدهید
جبران خليل جبران
جبران خليل جبران
١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
جبران خليل جبران شاعر لبناني امريكي، ولد في 6 يناير 1883
م في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك 10 ابريل 1931 م بداء السل، سافر مع
أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895، فدرس فن التصوير وعاد إلى لبنان، وبعد أربع سنوات
قصد باريس حيث تعمق في فن التصوير، عاد إلى الولايات الامريكية المتحدة، واسس مع
رفاقه "الرابطة القلمية" وكان رئيسها.
من (بشرِّي) لبنان (1883 - 1895), حيث ولد وحيث تفتح وجدانه
وخياله, انتقل إلى (بوسطن) (1895 - 1898) التي كانت تشهد -آنذاك- نهضة فكرية, وعاد
إلى (بيروت) (1898 - 1902) ليعيش نكبات شرقه وتخلّفه, بينما كان يستزيد من تعلم
العربية في بلاده. ثم إلى (بوسطن) ثانية (1902 - 1908), ليعيش تجربة الموت الذي
حصد أسرته (1902 - 1904), ثم إلى (باريس) (1908 - 1910) ليسبر عمق التحول الثقافي
والفني الذي كانت تشهده, وبعدها (نيويورك) (1911 - 1913), حيث يدرك معنى المدينة
الحديثة في أوسع مفاهيمها.
ووسط (العالم الجديد), يناديه التاريخ في الحواضر العريقة
فيسيح في مصر وفلسطين وسورية (1903), وتجذبه روما ولندن; فيقرأ فيهما نموّ الوعي
الخلاّق في رحم التاريخ.
وتقدم الحرب العالمية الأولى لجبران أغزر وأغنى مادة للتأمل
الجذري في طبيعة القوة وماهية الضعف في النفس البشرية. وينتهي إلى اكتشاف مكنون
إنساني أعمق وأبعد من ظواهر القوة والضعف, هو قدرة الإنسان الروحية اللامتناهية,
التي رأى التوصل إليها ممكنًا عبر الحوار الباطني مع النفس ومع الإنسانية.
كان ذلك الحوار هو طريق جبران إلى التجربة الصوفية, وكان
-أيضًا- مصدر تحوّله من الرومنسي إلى رافض الحَرْفية والأنظمة الفكرية والفلسفية,
ليركن إلى شاعرية الحكمة.
منذ أوّل مقال نشره بعنوان (رؤيا), وأول معرض للوحاته
(1904) حتى اليوم, تتشاسع مدارات انتشار نتاج جبران; فيزداد -باضطراد- عدد ترجمات
مؤلفه (النبي) ليتجاوز الثماني والعشرين لغة. وتقف العواصم الحضارية بإجلال أمام
أعماله التشكيلية التي يقتنيها عدد من أهم متاحف العالم.
ويتكثف حضور جبران: الشاعر, والحكيم و(خلاّق الصور) كما كان
يسمي نفسه. ويتفرّد نتاجه بمخيلة نادرة, وبإحساس خلاق مرهف, وبتركيب بسيط. وبهذه الخصائص,
تبلور في لغته العربية -كما في الإنكليزية- فجر ما سيُدعى - فيما بعد- (القصيدة
النثرية) أو (الشعر الحديث).
ويمكن تبيّن أربع مراحل في إنتاج جبران:
الرومنسية: كما تنعكس في كتيب (نبذة في الموسيقى) (1906),
وأقصوصات (عرائس المروج) (1906), و(الأرواح المتمردة) (1908), و(الأجنحة المتكسرة)
(1912), ومقالات (دمعة وابتسامة) (1914), والمطوّلة الشعرية (المواكب) (1919).
الثورية الرافضة: تتصعّد الرومنسية لتنتهي إلى اكتشاف أن
القوة الإنسانية تكمن في الروح الخاص والعام, كما في مقالات وأقصوصات وقصائد
(العواصف) (1920), و(البدائع والطرائف) (1923), وفي كتابه بالإنكليزية (آلهة
الأرض) (1931).
الحِكَمية: تعتمد المثل أسلوبًا, كما في ثلاثيته إنكليزية
اللغة: (المجنون) (1918), (السابق) (1920), و(التائه) (1923).
التعليمية: وفيها يختصر جبران خلاصات تجاربه وتأمله الحياة,
والإنسان, والكون والعلاقات المتسامية. وهي المرحلة التي تُعَدّ ذروة نضجه الذي يتبدّى
في ثلاثية أخرى باللغة الإنكليزية: (النبي) (1923), (يسوع ابن الإنسان) (1928),
و(حديقة النبي) (1933).
ويكاد هذا النتاج / الموقف أن يكون علامة فارقة في تراث
تباينت حوله الآراء, لكن كان هناك دائمًا إجماع على شموليته الإنسانية التي تروحن
الغرب بحكمتها الصوفية, وتُخرج الشرق من المطلقات المسبقة إلى التجربة الشخصية
الحية باتجاه المطلق.
عبدالوهاب البياتي
سوق القرية
الشّمسُ و
الحُمـُر الهزيلة ُ و الذ ّباب
و حذاء ُ جندي ّ ٍ
قديم
يتداولُ الأيدي
، و فلاح ٌ يحدّق ُ في الفراغ :
" في
مطلع ِ العـام ِ الجديد
يدايَ
تمتلئان ِ حتما ً بـِالنقود
و سأشتري
هذا الحذاء "
و صياح ُ ديك ٍ
فرَّ من قفص ٍ
، و قديسٌ صغـير :
" ما حك
َّ جلدَك َ مثـل
ظفرك َ "
و " الطريق ُ إلى الجحيم
من جنـّةِ
الفردوس ِ أقرب ُ " و الذ ّباب
و الحاصدون َ المتعـبون :
" زرعـوا
و لم نأكل
و نزرع ُ ،
صاغـرين َ ، فيأكلون "
و العـائدونَ منَ
المدينةِ :
" يا لها
وحشا ً ضرير
صرعـاه ُ موتانا
، و أجساد ُ النـّساء
و الحالمون َ
الطـّيبون "
و خوارُ أبقار ٍ ،
و بائعـة ُ الأساور ِ و العـطور
" لن
يُصلح َ العـطـّارُ ما قد أفسدَ
الدّهرُ الغـشوم "
و بنادق ٌ سودٌ
و محراث ٌ و نار
تخبو ، و حدّاد ٌ
يراود ُ جفنـَه ُ الدّامي
النـّعـاس :
" أبدا ً ،
عـلى أشكالها تقع
ُ الطـّيور"
و " البحرُ
لا يقوى عـلى
غـسل ِ الخطايا ، و الد ّموع
"
و الشّمس ُ في كبد
ِ السّماء
و بائعـات ُ
الكرم ِ يجمعـن َ السّلال
:
" عـينا
حبيبي كوكبان ِ
و
صدره ُ ورد ُ الرّبيع
"
و السّوق ُ تقفرُ
، و الحوانيتُ الصّغـيرة ُ
و الذ ّباب
يصطاده ُ الأطفال ُ ،
و الأفق ُ البعـيد
و تثاؤب ُ
الأكواخ ِ في غـاب ِ النخيل
عـبد الوهـّاب البيّاتي
" أباريق مهشـّمة "
عـبد الوهّاب البيّاتي
:
شاعـر عـراقي
ولد سنة 1926
م.
درس اللغـة
العـربية و آدابها في
دار المعـلمين العـليا .
صدر ديوانه
الشّعري الأوّل سنة
1950 .
عـمل في
التدريس ، و شارك في
تحرير مجلـّة "
الثقافة الجديدة ".
طـُرد من
وظيفته و أ ُلقي في
السّجن لِنشاطه السّياسي
اليساري .
غـادر بغـداد
إلى دمشق ،
ثمّ إلى بيروت
و القاهرة .
عـاد إلى
بغـداد بعـد ثورة
1958 ، و عـمل في وزارة
المعـارف.
ثمّ مستشارا ً
ثقافيا ً في موسكو ،
ثمّ أستاذا ً في
جامعـة موسكو.
تنقـّل بين
كثير من المدن
، ثمّ أقام
في دمشق و مات
فيها في
سنة 1999 .
" سوق القرية " قصيدة
من الشّعـر الحرّ ،
كتبها عـبد الوهّاب البياتي قبل
سنة 1954 ، و نشرها في
ديوانه " أباريق مهشّمة" .
النّص مبني
عـلى ازدواجية وصف
العـالم الخارجي : السّوق
والقرية
و الشمس و الحيوانات
و ما يجول في أذهان
الأشخاص الذين تمتلئ
بهم القصيدة .
السّوق في
قرية صغيرة "
تتثاءب أكواخها في
غاب النخيل " ، في
يوم مشمس ، فيه
حوانيت صغيرة :
بائعة
الأساور و العطور،
الحدّاد الذي
تخبو ناره ، و يأتيه الفلاحون
ليبيعوا حيواناتهم : " صياح
ديك فرّ
من قفص " ، " خوار أبقار" ، كما
تأتيه بائعات الكروم ،
و فيه من
يبيع أشياء عتيقة
: حذاء جندي
قديم و بنادق
سود و محراث
...
و يردد الأشخاص أو لعلهم يفكّرون
بما وضعه الشّاعر بين المزدوجات
بعد النقطتين
الشّارحتين . وأغلب هذه الجمل
استشهادات بأمثال شائعة
مثل " ما حكَّ جلدكَ مثل
ظفركَ" أو "
لن يصلح
العطار ما أفسد الدّهر" أو
" عـلى أشكالها تقع
الطـّيور" أو مثل
معكوس ، فهكذا
تتحوّل الجملة
الشهيرة " زرعـوا
و أكلنا ، و نزرع
و يأكلون " إلى
" زرعـوا فلم
نأكل ، ونزرع ، صاغرين
فيأكلون " ( 1 ) أو مأخوذة
من الإنجيل
" البحر لا يقوى عـلى
غسل الخطايا " ، أما
بائعات
الكروم فيغنين
" عـينا حبيبي
كوكبان و صدره ورد
الرّبيع " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.
أنظر : ص. الناصري
" الأمثال العربية للمبتدئين ".
و يحدّق فلاح
في الفراغ حالما ً
بشراء حذاء الجندي القديم
، بينما
يصرّح العائدون
من المدينة بكرههم
لها فهي وحش
يميت الرّجال
و يبيع أجساد
النـّساء .
و تنتهي القصيدة
بجمع بائعات الكروم
لسلالهنّ و ترك السّوق
مثل
الآخرين فتقفر السّوق
والحوانيت الصّغيرة و تنزل
الشّمس نحو الأفق
و تتثاءب
الأكواخ .