تحلیل قصیدة  الاندلس الجدیدة احمد شوقی

تحلیل قصیدة احمد شوقی

"الأندلس الجدیدة

1.     تمهيد:

تنتمي قصيدة احمد شوقي ،"الأندلس الجديدة"، إلى تيار البعث والإحياء الذي يتجسد في الاستلهام بتقاليد القصيدة الكلاسيكية أي الالتزام بعمود الشعر من حيث البناء و اللغة و التصوير الفني. و إلى جانب ذلك إحياء القيم و الثقافة العربية عبر استحضار ما يتخصص به الشعر الكلاسيكي من قيم و تمثلات عن الجمال و الطبيعة و الإنسان و الحياة.

كما أننا نلاحظ أنّ خطاب الإحياء يجمع بين التقاليد الفنية و الاستجابة لضرورة العصر و من تمّ الانخراط في القضايا الوطنية و القومية و الخوض في المسألة الاجتماعية.

و على ضوء مقومات البعث و الإحياء نرى مساهمة أحمد شوقي في هذا الخطاب، حيث أنّه يكتب على منوال الشّعر الكلاسيكي يتشبع باللّغة العربية الإسلامية و يجمع بين اللّغة السّليمة و المواضيع الآنية.

نظم أحمد شوقي قصيدته التي قالها اثر سقوط أدرنة بيد البلغار و تشكل رثاء مميزا فتكشف عن عاطفة صادقة يكنّها الشاعر للعثمانيين باعتبارهم سيف الإسلام.  

 

2.     تلخيص:

كغيره من شعراء البعث و الإحياء، يضع الشاعر عنوانا للقصيدة و هو يختار عنوان "الأندلس الجديدة" ليضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة هو يذكر مدينة يفتخر بها تاريخ الإسلام و لها صددها في العالم الإسلامي، و من جهة أخرى ينبأ الشّاعر قارئه أنّه سيكلّمه عن مدينة، "أخت الأندلس"، شكلت كالأندلس أوج الحضارة العربية الإسلامية. فسيخدم ذلك هدف أحمد شوقي: "رثاء أخت الأندلس، أدرنة".

 فبهذا  يحمل عنوان هذه القصيدة شيئا من الحزن والأسى. كما أنّ أحمد شوقي يحضر الماضي بقوة "أخت أندلس" "مقدونيا" مما ينتج عنه احساس بالحزن والاسى 

تذكرنا المقطوعة الأولي للقصيدة النسيب أي الافتتاحية الطلليّة التي نجدها في القصيدة الكلاسيكية، و بعد البيت الأوّل يباشر الشّاعر في وصف الحالة التي وصل إليها العالم بعد فقد الأندلس و أختها.

ففي هذا الوصف الدقيق يأتي على ذكر الأسباب و العواقب، و نجد في طريقته هذه تجديدا في توظيف النّسيب، فهو يصل بينه و بقية القصيدة و يستعمله بمثابة مقدّمة لما سيسرده.

يربط الشاعر مدينة تركية فقدت على الحدود بمدينة لها صددها في العالم العربي الإسلامي: الأندلس. فهو يذكر أوجه الشّبه بين حال أدرنة و الأندلس "هوت الخلافة عنك و الإسلام"، "بكما أصيب المسلمون و فيكما دفن اليراع و غيّب الصمصام" يستعين إذا الشاعر بكناية تدلّ عن الألم و الحزن لما فقد و المأتم الدّائم. و الإقرار بهذا الفقدان أدّى حقا إلى انهيار أيام العّز و تاريخ العرب.

فكلمة "أيام" (البيت 7) ترمز إلى التاريخ و تحمل الإشارة إلى تاريخ العرب الممتلئ بالنصر و العزّة و الكرامة. غير أنّ هذا الوقت قد اختفي و يعود ذلك إلى الـ"قدر" و الممالك (السلطة) التي لم تأخذ بعين الإعتبار الدّهر "و الدّهر لا يألو الممالك منذرا فإذا غفلن فما عليه ملام".

ثمّ يجمع بين حالة أدرنة و حالة مقدونيا التي احتلّها الغرب، و يؤكّد في ندائه لها عن انتماءها للأمة الإسلامية، فيدافع عنها أمام المستنكرين من المسلمين لها.

 

3.     التحليل: 

في سيّاق فكري حول الأصالة و المعاصرة ظهرت في الساحة الأدبيّة نخبة من الشّعراء تبنّت موقفا شعريا يدعو إلى إحياء الشعر العربي الكلاسيكي و اتخاذ تقاليده الفنيّة. و كان خطابهم الشعري " خطاب البعث و الإحياء" .

"الأندلس الجديدة "، قصيدة أحمد شوقي، تنتمي إلى هذا التيّار. و قد يتناول من خلالها إشكالية تراجع الحكم الإسلامي العثماني في قوّته و سيطرته؛ مستعينا مثال مدينة "أدرنة" التي فُقدت.

فسنرى كيف يتحدّث أحمد شوقي عن قضية وطنية مستعملا أسلوب كلاسيكيا مضيفا إليه سمات تيار البعث و الإحياء.

تدخل قصيدة أحمد شوقي في إطار الرثاء، فكما شرحناه سابقا تبدأ القصيدة بافتتاحية طلليّة يذكر فيها الشاعر ما فقده مستعملا الحقل الدّلالي للألم و الحزن "جرحان" " يسيل و لا يلتام" "مأتم"، كما يستعمل الشّاعر ألفاظ تعبّر عن شعوره "ليت" "أترينهم هانوا"، "صبرًا أدرنة!".

عرف أسلوب أحمد شوقي في خصوصية لجوئه إلى الصّور القديمة، و في مثال قصيدتنا، لرثاء أدرنة و ذكر الصّفات المشتركة بين حاضهر و الماضي الذي يذكره. فيصف الماضي المجيد و المزدهر، فهو يفتخر بالدولة العثمانية التي عرفت انتصارات عديدة "كان بعزّهم و علوّهم يتخايل الإسلام".أمّا اليوم، فهو يستعيد تقهقر العهد الإسلامي عبر التاريخ و المناطق فأصبحت المدن تفقد واحدة تلوى الأخرى (مقدونيا، أدرنة). 

و يقول الشّاعر:" من فتح هاشم أو أميّة  لم يضع أساسها تتر و لا أعجام"، " و اليوم حكم الله في مقدونيا لا نقض فيه لنا و لا إبرام" لتذكير مجد و قوّة الحضارة العربيّة الإسلامية التي فقدت مع مرور الزّمن.

تمزج قصيدة "الأندلس الجديدة" بين الأغراض الشعريّة الكلاسيكيّة و بين قضايا الشّاعر و همومه. و نلاحظ ذلك من خلال الأدوات الفنيّة التي استعملها أحمد شوقي.

فإذا درسنا شكل القصيدة لوجدنا شكلها عمودي  بحرها طويل و وزنها واحد، كما أنّها تتبع قواعد العروض الخليلية. بالإضافة إلى ذلك  نلاحظ أن الصّور عند أحمد شوقي تعتمد على أساليب الشعر العربي القديم.آمّا فيما يخص البناء الصّوتي فنلاحظ تكرار بعض الحروف (السين و الميم) مما يجعل للقصيدة موسيقى داخلية هادئة رغم الذي أصاب المسلمين و هذا ما يفيد التّعبير عن مشاعر الشّاعر المتمثّلة في الألم. إذا، إنّ حضور هذه المعطيات الموسيقية تؤكد انتماء النص إلى تيار البعث و الإحياء.

 

يتّبع الشاعر تقاليد القصيدة العربية الكلاسيكيّة في التّصوير الفنّي و لكنّه يضفي عليها سمات من طابعه الجمالي الخاص.

و نرى ذلك في الأساليب البلاغيّة التي يستعملها الشاعر. ففي الآبيات الأولى:

-         يؤنّس في ندائه الأندلس: " يا أخت الأندلس"، طريقة تبيّن أهمية أندلس

-         استعارة: "نزل الهلال عن السّماء..."، تبيّن فقدان رمز الإسلام و بذلك زواله من تلك المنطقة

        "قدر يحط البدر و هو تمام"، يبيّن قدر أدرنة و الأندلس        

-         يشبّه الإسلام بالنّور الذي ينير العالم،  وغيابه يأتي بالظلام "وعمّ العالمين ظلام".

فنلاحظ أنّ أحمد شوقي يعمّ قصيدته بالأساليب البلاغية التي تزيد الإيقاع الدّاخلي للنصّ حزن و ألم، كما أنه يستعين بكلّ ما هو يرمز للإسلام "الهلال" "القدر" "مساجد كنّ نورا" لإبراز علاقته و فخره بالإسلام.

و إلى جانب ذلك يستعمل أيضًا المجاز و الاستعارة في إنشاء صور فنيّة تربط بين الأشياء المحسوسة و المجرّدة. مثلا:

-         "الهلال" رمز الإسلام (مجرّد)، نور الأمة الإسلامية، و "الظلام"(محسوس)، فإذا اختفى الإسلام عمّ الظلام.

-         "خبت مساجد كنّ نورًا جامعًا تمشي إليه الأسد و الآرام". العنصر المجرّد هي "المساجد" و العنصر المحسوس هو "النور". فنرى أنّ المساجد كانت ما يزيّن و ينير المدينة.

كما أنّنا نلاحظ أن الصّفات الحسيّة الملصقة بالعناصر المجرّدة مستقاة من أفعال أو حالات خاصة بالإنسان، مثلا:

-         الإسلام نجد فيه كلمة سلام و نرى بذلك عناية أحمد شوقي بالصياغة اللّغويّة.

 

عرف أحمد شوقي باهتمامه بالقضايا الاجتماعية، مما يجعل للمخاطب موقع متميّز داخل القصيدة. فنرى في المقطوعة الأولى رغبة الشاعر في إيصال و مشاركة حزنه و مأساته مع القارئ، فيجعل مصيبة أدرنة مصيبة المسلمين ككل كما كان الأمر للأندلس.

و يتابع ذلك في المقطوعة الثانية، حيث أنّه يؤكّد على وحدة الأمّة الإسلاميّة  "المسلمون عشيرة"، و يزيد على ذلك نداء إلى مقدونيا التي فقدها المسلمون و يؤكّد في ندائه لها عن انتماءها للأمة الإسلامية، فيدافع عنها أمام المستنكرين من المسلمين لها.

كما أنّه تجلّى في هذا الخطاب أسى الشاعر و حسرته و تجسّد ذلك في هيمنة الأسلوب الإنشائيّة:

-         "يا أخت أندلس عليك سلام"، نداء يبتدئ به الشاعر و يدّل على شوقه لهذه المدينة.

-         "كيف الخؤولة فيك و الأعمام"، "هل الممالك راحة ومنام؟"، استفهام يدلّ على حسرة الشاعر فهو يتساءل عن حال (أهله).

-         "صبرا أدرنة!" يستعمل الشاعر علامة التعجّب و كأنّه يقول لأدرنة أنّه يتألّم معها.

رأينا من خلال دراستنا إلمام الشاعر باللّغة العربيّة حيث أنّه يبيّن مهارته في استعمال أساليب الشعر القديم حيث أنّه يستعمل بدقة البناء الصّوتي لخلق جوّ الرثاء و الحزن، و يعتني بصياغته اللّغوية، فلا يضع كلمة إلاّ و هي في محلّها، هذا ما يعطي للقصيدة شيئا من الرّوحانية و كأنّها شخص يحكي و يبكي عماّ فقده، فيصل بذلك إحساس الشاعر عند قارئه و ينتج عن ذلك علاقة وطيدة بينهما.

و قد لاحظنا كذلك أنّ القصيدة مهما استلهامها بالشعر الكلاسيكي فهي تحضر تجديدا له مما يدخلها حيّز البعث و الإحياء، أوّل شيء نرى فيه هو الالتزام بالشكل العمودي للقصيدة الكلاسيكية و استعمال البحور الخليلية. ثمّ إنّ وجود عنوان يجعل القصيدة تنفرد عن بقية القصائد الكلاسيكية و تتجلّى بوحدة موضوعية، كما أنّ استعمال النّسيب رمز الشعر القديم كمقدّمة لقصيدته يوضّح للقارئ إلمام الشاعر باللّغة، غير أنّه الشاعر يصل بين النّسيب و بين القصيدة مما يشكل تجديدا. و أخيرا يتناول الشاعر موضوعا اجتماعيا و وطنيا مهم في عصره (تراجع الحضارة العربية الإسلامية بعد فقدان مدن عديدة).

فبذلك نجد في القصيدة المقوّمات الثلاث مقوّمات لتيّار "البعث و الإحياء": الشكل؛ التشبّع بالثقافة العربيّة الإسلاميّة؛ و الجمع بين اللّغة السّليمة و المواضيع الآنية.

و نرى في ما قاله غالي شكري تعريف الإحياء، فذلك ينطبق على معارضة الشاعرين اللّذان يستعملان  نفس الأسلوب الذي استعمله ابن زيدون و عنترة، فهما يظهران حسن استعمالهما للغة مما يعطيهما الحق في معارضة الآخرين "تقديس الماضي" (استعمال نفس الأسلوب) "وتوظيفه للحديث" (توظيفه لمبتغاهم و هنا المعارضة).

4.     الرّأي:

عاش أحمد شوقي في عصر يجبره على الكتابة بأسلوب كلاسيكي، فعلى كلّ شاعر أن يبيّن إلمامه باللّغة و أكثر لشوقي بكونه أمير الشّعراء، غير أنني لا أرى فائدة في التّعبير بأسلوب كلاسيكي في موضوع اجتماعي، فكلّ المجتمع لن يستوعب صور و مضمون النصّ، خاصّة إذا كان الموضوع من القضايا و الهموم المعاصرة، فعل كلّ الشعب أن يفهم نضال الشاعر ليسانده أم لا و للوصول إلى ذلك لا بدّ من استعمال لغة سليمة و سهلة، و ترك البلاغة لكلّ ما يحتاجها من مواضيع أخرى (الغزل، المدح...الخ).    






نظرات:

الاندلس ااججيدة
«» می‌گوید:
«»



متن امنیتی

گزارش تخلف
بعدی